هل نحن مصريون أم عرب؟
٠
البعض يقول نحن مصريون، وآخرون يقولون.. نحن عرب.. وآخرون يقولون نحن
Egyptians فى الخارج، عرب فى الداخل! ازدواجية حتى فى الهوية!
وحين تسأل هذا الفريق.. لماذا نحن عرب؟! يرد عليك قائلاً: لأننا نتكلم العربية، تقول له: اللغة ليست الهوية بدليل أن الولايات المتحدة تتحدث الإنجليزية، ولم تقل أنها الولايات المتحدة البريطانية..! وأمريكا اللاتينية تتحدث الإسبانية.. ولم يقولوا إننا إسبان، والبرازيل تتحدث البرتغالية، ولم يقولوا إننا برتغاليون، وخمس دول.. فزانكفونية تتحدث الفرنسية، ولم يقولوا إننا فرنسيون! الهوية بالأرض وليست باللغة!
يقولون لك: نحن عرب لأننا مسلمون! ترد عليهم: إيران دولة مسلمة ولم يقولوا نحن عرب! وتركيا دولة مسلمة ولم يقولوا نحن عرب! وإندونيسيا دولة مسلمة ولم يقولوا نحن عرب! الهوية إذن ليست بالدين بل بالأرض! أضف إلى ذلك أنه ليس هناك دولة مسلمة أو مسيحية.. لأن الدولة شخصية اعتبارية.. لا تصوم ولا تزكى.. كما أن كل دولة بها «ديانات وعقائد مختلفة».
يقولون لك مصر عربية بسبب الفتح العربى! ترد عليهم: هل كانت مصر اشورية بعد الغزو الآشورى؟، أو فارسية أو يونانية أو رومانية «الغزو الرومانى ظل ٦٧٠ سنة» أو عربية «العرب ٢٢٨ سنة» أو طولونية أو أخشيدية أو فاطمية.. أو أيوبية، أو مملوكية أو تركية عثمانية «٤٠٠ سنة» أو فرنسية أو إنجليزية بعد كل هذه الغزوات؟ لو كانت الهوية.. بهوية المحتل.. لأصبحت هوية أى دولة.. موزاييك أى لا هوية.. ولكن: «تترى الملوك ومصر فى تغيرهم
مصر.. والأحساء أحساء». «أبوالعلاء المعرى» أو كما يقول ستامب: إن الغزوات الكثيرة التى مرت على مصر، لم تكن إلا تغييراً فى الحكام وليست تغييرًا فى طبيعة الشعب المصرى، لأن بحر مصر الكبير من السكان.. كان يذيب الغزاة ويمصرهم»، كما قال جملة فى منتهى الخطورة يجب أن نلتفت إليها.. لأنها مصدر قوتنا إن تمسكنا بها.. وضياع مصرنا.. إن انصرفنا عنها..!
قال: «إن المشكلة فى مصر.. ليس فى غزوها.. بل فى الوصول إليها! فنادراً ما تجد شعباً.. متماثلاً فى شكله وملامحه، بل وفى طباعه وأخلاقه، بل وفى مزاجه وهواياته.. مثل الشعب المصرى، نحن مصريون نتحدث العربية وهى لغتنا الرسمية، كما نتحدث العامية وهى لغة عموم الناس لا عامة الناس، وهذه العامية هى اللغة المصرية القديمة بروافد كثيرة.. لأن اللغة بالتراكيب STRUCTURE وليست بالألفاظ.. ويطلق علماء اللغة كلمة فصحى.. عما نفصح به عن أنفسنا.. وعلى هذا القياس فالفصحى هى العامية، والرسمية هى التى نتعلمها فى مدارسنا.. ولكنها ليست لغتنا الأم»!
هؤلاء الذين يقولون نحن عرب.. ألم يسألوا أنفسهم لماذا يدخلون من باب الأجانب فى مطار المملكة السعودية؟ ولماذا يكون لهم كفيل إذا عملوا هناك؟ ولماذا كانت الجزية تفرض على ثمانية آلاف ألف «٨ ملايين» مصرى.. عند «زيارة» العرب لنا ٦٤١ ميلادية؟ «المقريزى ص ٧٦».
نحن لا نتخلى عن العرب.. فهم أحفاد هاجر حفيدتنا.. فهم أحفاد أحفادنا.. وأعز ولد.. هو ولد الولد.. على شرط أن يكون باراً بأجداده.. مقدراً لفضلهم عليه.
نحن نعرف أن مصر إذا تعثرت انكفأ العرب على وجوههم، كما نعرف أن العرب هم العمق الاستراتيجى لمصر، وقد عرفت مصر ذلك منذ عصر الهكسوس.. والذى أنقذ العرب فى الصوارى، حطين، عين جالوت.. هى مصر!
لماذا الهوية المصرية؟ لأن أوروبا قامت بإحياء القوميات ولم تتخل عنها فى السوق الأوروبية المشتركة، ولأن ألمانيا نهضت من هزيمتها فى الحرب العالمية الأولى بإحياء قوميتها.
ولأن مصر عاشت عصراً ذهبياً ٥٠٠٠ سنة بقوميتها المصرية، نصف قرن قصير العمر.. حين كان شعارها مصر للمصريين «النصف الأول من القرن العشرين».
ولأن مصر ضاعت بالمشروع العروبى الوهمى الناصرى.. انتظاراً للسلطان حتى نكون رعايا له!.. ضاعت مصر.. كما ضاعت الجولان، الضفة، القدس، سيناء أصبحت منزوعة السلاح، كما ضاع ١٠٠ ألف مصرى شهيد.. كما ضاع مائة مليار جنيه «إحصائية ـ أحمد عبدالمعطى حجازى».
خلاصة الخلاصة: أنا مصرى.. أتحدث العربية، والعامية، أؤمن بالوحدة العالمية مع بنى الإنسان.. ومن يقل لى: عيب أن نتخلى عن عروبتنا.. أقل له: بل عار أن نتخلى عن مصريتنا.
. ومن ليس له خير فى مصريته.. ليس له خير حتى فى نفسه.
أسرانا.. وأسراهم
إذا أفلس التاجر راح يفتش فى دفاتره القديمة، لعله يجد شيئاً ينقذه، وهذا بالضبط ما تفعله ولاية كاليفورنيا الأمريكية هذه الأيام!
الولاية تقع فى الغرب الأمريكى، وتبلغ من الضخامة إلى حد أن لها ٥٣ نائباً فى مجلس النواب الذى يصل عدد أعضائه إلى ٤٣٥ مقسمين على ٥٠ ولاية، كل واحدة حسب عدد سكانها،
وتصل كاليفورنيا فى ثروتها حداً قيل معه، إنها لو استقلت كدولة، فسوف تشكل خامس اقتصاد فى العالم.. وفيها أهم جامعات العالم، ومن بينها ـ مثلاً ـ جامعة ستانفورد الشهيرة، وجامعة «بيركلى» التى تخرج فيها الدكتور صبرى الشبراوى، وجامعة «كالتك» التى ينتسب إليها الدكتور أحمد زويل، ويصفها فى سيرته الذاتية بأنها ليست مجرد جامعة، ولكنها قرية علمية تمتلئ بالعمالقة!
يصل معدل البطالة فيها إلى ١١٪ بزيادة ١.٥٪ عن معدله فى أمريكا عموماً، وتمتاز الولاية بأنها الأعلى تعليماً إذا قامت مقارنة بينها وبين أى ولاية أمريكية أخرى، ولكنهم لاحظوا هناك، منذ فترة، أن مستوى التعليم المتاح، ليس هو الذى يمكن أن يطمح إليه أبناؤها، وراحوا يبحثون عن السبب، واكتشفوا أنه يعود إلى سوء تخطيط من حاكم سابق لها، وكان لابد من حل، وكان الحل لا يخطر لأحد على بال!
راح «أرنولد شوارزنيجر» الممثل الشهير وحاكم كاليفورنيا الحالى
، يبحث عن طريقة للوصول بمستوى التعليم إلى مستواه المعتاد فيها على مدى تاريخها، وبعد دراسة هادئة، تقرر إطلاق سراح ٢٧ ألف سجين من سجنائها الذين كانوا قد ذهبوا إلى السجن فى جرائم بسيطة، وتقرر أيضاً الاكتفاء بتحديد إقامتهم فى بيوتهم، ومراقبتهم من بعيد، وهى خطوة لم تحدث، لأن القائمين على الولاية الكبيرة، امتلأت قلوبهم بالرحمة فجأة، تجاه هؤلاء المساجين، وإنما لأن هذا العدد يكلف الولاية فى كل عام ١.٢ مليار دولار، أى ما يعادل ٧ مليارات .جنيه تقريباً!
وفى اللحظة ذاتها، تقرر توجيه المبلغ كاملاً إلى التعليم لأنهم مؤمنون إلى درجة اليقين، بأن بلداً بلا تعليم حقيقى، مع وضع ألف خط تحت كلمة «حقيقى»، إنما هو بلد بلا مستقبل!
إلى هذا الحد، يصل الابتكار فى البحث عن وسيلة يمكن بها توفير إنفاق أعلى على التعليم، وإلى هذا الحد يقررون فك أسر ٢٧ ألفاً من السجناء، لأن هناك هدفاً آخر لا يغيب عن حاكمها، فى أى لحظة!..
أما نحن، فالسجناء فى حقيقة الأمر، ليسوا هم أبداً المحبوسين فى السجون كما قد نتصور.. السجناء الحقيقيون، والأسرى الفعليون، هم ٢٠ مليوناً فى مدارسنا وجامعاتنا.
هؤلاء هم السجناء قولاً، وفعلاً، ولحماً، ودماً، فى ظل مستوى تعليم كارثى لا يريد أحد أن يبادر بإصلاحه من جذوره.. هؤلاء هم أسرانا، الذين يبحثون عمن يفك أسرهم اليوم.. اليوم وليس غداً.. فمن لهم؟