أيها الناس: اتقوا الله كما أمركم أن تتقوه، وأطيعوا أمره ولا تعصوه، واذكروه يذكركم واشكروه ولا تكفروه.
عباد الله: لقد أمرنا الله بذكره في عموم الأوقات. فقال تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، وخص بعض الأوقات، كأدبار الصلوات، وبعد الانتهاء من أداء العبادات، فأمر بذكره فيها لمزيتها على غيرها، قال تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ [النساء:103]، وقال تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَـٰسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءابَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا [البقرة:200].
وذكر الله تعالى يتناول جميع الطاعات القولية والفعلية، وكل الطاعات ذكر الله – عز وجل، كما يتناول ذكره باللسان والقلب، فالمؤمن دائمًا يذكر الله ولاسيما الذكر القولي بالتهليل والتسبيح والتحميد والتكبير؛ لأن هذا النوع متيسر للإنسان في كل أحواله سواء كان راكبًا أو ماشيًا، أو وهو قائم أو قاعد أو مضطجع، ولأن اللسان لا يتعب من تحركه بالذكر. بخلاف بقية الأعضاء، فإنها تتعب من كثرة الحركة، وأفضل الذكر: لا إله إلا الله، فينبغي الإكثار منها، قال : ((خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير))[1].
ولما كانت هذه الكلمة العظيمة بهذه المنزلة العالية، من بين أنواع الذكر وتعلق بها الأحكام. وصار لها شروط، ولها معنى ومقتضى، فليست كلمة تقال باللسان فقط. وهذه الكلمة يعلنها المسلمون في الأذان والإقامة والخطب، وهي كلمة قامت بها الأرض والسماوات، وخلقت من أجلها جميع المخلوقات، وبها انزل الله كتبه، وأرسل رسله، وشرع شرائعه، ولأجلها نصبت الموازين، ووضعت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وانقسمت الخليقة من أجلها إلى مؤمنين وكفار، وعنها وعن حقوقها يكون السؤال والجواب، وعليها يقع الثواب والعقاب، وعليها نصبت القبلة، وأسست الملة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، وهي حق الله على جميع العباد. فهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وهي كلمة التقوى. والعروة الوثقى، وهي كلمة الإخلاص، وبها تكون النجاة من الكفر والنار والخلاص. من قالها عصم دمه وماله في الدنيا، وإذا كان موقنـًا بها من قلبه نجا من النار في الآخرة ودخل الجنة. كما قال عليه الصلاة والسلام: ((فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله))[2]. وهي كلمة وجيزة اللفظ قليلة الحروف خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان، فقد روى ابن حبان والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله قال: ((قال موسى عليه السلام: يا رب علمني شيئـًا أذكرك وأدعوك به، قال: يا موسى قل: لا إله إلا الله، قال: يا رب كل عبادك يقولون هذه، قال: يا موسى، لو أن السموات السبع وعامرهن غيري، والأرضيين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله))[3].
وهذه الكلمة العظيمة لها ركنان:
الركن الأول: النفي، وهو نفي الألوهية عما سوى الله من سائر المخلوقات.
والركن الثاني: الإثبات. وهو إثبات الألوهية لله سبحانه وبهذا يتضح معناها، وأه البراءة من الشرك والمشركين، وإخلاص العبادة لله وحده. وهذا معنى قول الخليل عليه السلام لأبيه وقومه: إِنَّنِى بَرَاء مّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱلَّذِى فَطَرَنِى فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ [الزخرف:26،27]. وأيضًا معنى قوله تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا [البقرة:256].
فالمسلم عندما يقول هذه الكلمة يعلن البراءة من الشرك والمشركين، ويلتزم بعبادة الله وحده مخلصًا له الدين،فإنه وفى بهذا الالتزام؛ فقد حقق دين الإسلام، وفاز بدار السلام، وإلا فمجرد النطق بها من غير عمل بمدلولها ومقتضاها لا يفيد الإنسان شيئـًا، فإن المنافقين كانوا يقولونها بألسنتهم ولا يعتقدونها بقلوبهم، فصار يعتقد في الموتى، ويطوف بالأضرحة تقربًا إلى الأموات، ويطلب المدد من الأولياء والصالحين، وينذر لقبورهم ويذبح لها، فهذا لا تنفعه لا إله إلا الله؛ لأنه لم يعمل بمقتضاها وهو البراءة من الشرك والمشركين، وإخلاص العبادة لله رب العالمين؛ لأن معنى لا إله إلا الله: ترك عبادة القبور، وترك التقرب إلى الأموات، كما تترك عبادة الأوثان من اللات والعزى ومناة، لا فرق بين عبادة الأصنام وعبادة القبور، وهذا هو معنى لا إله إلا الله.
ولهذا قال النبي لكفار قريش، قولوا: لا إله إلا الله، قالوا: أَجَعَلَ ٱلاْلِهَةَ إِلَـٰهاً وٰحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَىْء عُجَابٌ [ص:5]. فالمشركون فهموا أن معنى لا إله إلا الله، ترك الشرك لأبيه العبادة لله وحده. وهؤلاء القبوريون اليوم لا يفهمون هذا، ولهذا يجمعون بين الشرك والنطق بلا إله إلا الله، ربما يفسرون لا إله إلا الله بأن معناها، الإقرار بأن الله هو الخالق الرازق، ويقولون: إن من أقر بأن الله هو الخالق الرازق فقد حقق التوحيد، وشهد أن لا إله إلا الله. ولا مانع بعد ذلك عندهم أن يذبح للأموات ويتقرب إليهم بأنواع العبادات .وكأن هؤلاء لم يعلموا أن المشركين الذين طلب منهم النبي أن يقولوا: لا إله إلا الله كانوا مقرين بأن الله هو الخالق الرازق، كما قال الله عنهم: وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ [الزخرف:9]، وقال: قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلاْبْصَـٰرَ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيّتَ مِنَ ٱلْحَىّ وَمَن يُدَبّرُ ٱلاْمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ [يونس:31].
وإن هذا الفهم الخاطئ لمعنى لا إله إلا الله لو كان صادرًا من عوام لهان الأمر؛ لأن العوام يمكن تعليمهم، ويمكن قبولهم للحق أكثر من غيرهم، ولكن المصيبة أن يكون هذا الفهم الخاطئ لمعنى لا إله إلا الله صادرًا من قوم يدعون العلم ويتصدرون للفتوى والتدريس، فهؤلاء يصعب تفهيمهم وإقناعهم لأن جهلهم مركب، والجاهل المركب هو الذي لا يدري. ولا يدري أنه لا يدري. وهو أبعد عن قبول الحق من الجاهل البسيط الذي يعترف بجهله، أولئك هم علماء الضلال الذين أهلكوا أنفسهم وأهلكوا غيرهم من الجلهة الذين أحسنوا بهم الظن، وقلدوهم في الضلال، أولئك هم الذين حذرنا منهم رسول الله بقوله: ((وإنما أخشى على أمتي الأئمة المضلين))[4]. إن هؤلاء وإن كانوا علماء في فقه فروع الدين، فإنهم يجهلون الأصل، ويفقدون الفقه الأكبر الذي هو معرفة التوحيد الذي جاءت به الرسل، ولذلك يعادونه ويعادون أهله، ويؤلفون في الصد عنه، وعن معنى لا إله إلا الله ومقتضاها لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآء مَا يَزِرُونَ [النحل :25].
عباد الله: وإن من مقتضى لا إله إلا الله وحقها على من نطق بها: إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلاً، والعمل بطاعة الله وترك معاصيه .
وقد وجد في الناس اليوم خلق كثير يقولون هذه الكلمة ولكنهم لا يقيمون الصلاة، أو لا يؤتون الزكاة، وقد دل الكتاب والسنة على أن من لا يصلي فليس بمسلم، وإن قال: لا إله إلا الله.
قال تعالى: فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]، وقال في الآية الأخرى: فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي ٱلدّينِ [التوبة:11].
فدلت الآيتان الكريمتان على أن الذي لا يقيم الصلاة لا يخلى سبيله بل يُقتل، وعلى أنه ليس من إخواننا في الدين لأنه كافر.
وقال النبي : ((بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة)) رواه مسلم[5]. قد منع جماعة بعد وفاة النبي الزكاة، وهم يقولون: لا اله إلا الله، فقاتلهم أبو بكر الصديق والصحابة ولم يمنعهم من قتالهم نطقهم بهذه الكلمة، لأنهم اعتبروا الزكاة من حق لا إله إلا الله؛ لأن النبي قال: ((فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها))[6].
وقد قيل للحسن – رحمه الله -: إن ناسًا يقولون: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال: من قـال: لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنـة، وقال وهب بن منبـه لمن سأله: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى، ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يُفتح لك .
فاتقوا الله عباد الله، وكونوا من أهل لا إله إلا الله حقـًا، جعلنا الله وإياكم من أهلها. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [محمد:19].
بارك الل[/code]ه لي ولك
م في القر]آن العظيم...