كيف نؤدى صلاتنا كما أمرنا الله تعالى عبر القرآن الكريم
أصدقائي من المهم جدا أن نفهم هذه المقدمة وآلتي تسمى بمنظومة التواصل المعرفي لذلك أتمنى أن يتم قراءتها بتأني وفهم واعي 0 وهى مأخوذة من مجموعة من الكتب والأبحاث
أعني بمنظومة التواصل المعرفي تلك المعارف التي تواصلت حلقاتها بين الشعوب والقبائل [ أي الموروث المعرفي ] من لدن آدم عليه السلام، والتي ينمو قاموس كلماتها مع اتساع حركة الحضارات وتطورها حاملةً معها مدلولات الكلمات والمعتقدات والقيم، والعادات، والمهارات المهنية المختلفة، وكيفية الأداء العملي للعبادات ... مكونةً بذلك شخصية الإنسان الدينية والمعرفية. وتنقسم معارف هذه المنظومة إلى:
معارف عالمية: وهي المعارف المتفق على مدلول كلماتها بين شعوب العالم ومنها الكلمات: أبيض ـ ساخن ـ حزين ـ تفاحة ـ كرسي ـ سحاب ـ شجرة ـ بحر ـ كلب ـ خنزير ... الخ. وكذلك الأفعال: يأكل ـ يمشي ـ يضرب ـ يذبح ـ يرمي ـ يقوم ـ يركع ـ يسجد ... الخ.
ومعارف أممية: وهي المعارف المتفق عليها بين أفراد الأمة الواحدة، مثل: اللغة ـ كيفية أداء العبادات ـ العادات والتقاليد ـ المهارات الفنية التي تتميز بها كل أمة. أما إذا أجمع أفراد فرقة من فرق الأمة الواحدة، أو أصحاب مذهب من مذاهب الفرقة الواحدة، على شيء، فإن هذا الإجماع [ الذي لا يشكل في حقيقته منظومة أممية ] هو ما يسميه أتباع الفرق والمذاهب المختلفة بـ " التواتر " اللفظي أو العملي، والذي أسميه بـ " التواتر المذهبي ".
وإذا نظرنا إلى اللغة العربية، كأداة من أدوات فهم هذا القرآن، وجدناها مصدراً معرفياً سبق نزول هذا القرآن [ وذلك قبل أن تتشربه قلوب المسلمين لتصبح أداةً لفهمه ] ولولاها ما استطاع المسلمون تعلم وفهم مدلولات كلماته. إذن فهناك حاجة إلى الاستعانة بمصدر معلوماتي خارجي [ وهو ما يسمى بمنظومة التواصل المعرفي ] كأداة من أدوات فهم آيات هذا القرآن الحكيم. بل إن هناك آيات كثيرة يستحيل فهمها أو العمل بها إلا إذا رجعنا إلى هذا المصدر المعرفي الخارجي. لذلك فإن دعوى فهم القرآن بالاستعانة بآياته فقط ( مثلما يقول القرآنيين ) دون الاستعانة بأدوات فهم مستقلة عنه دعوى غير صحيحة لأننا لو عزلنا القرآن عن هذه الأدوات ما كان قرآناً وعلى رأسها اللسان العربي المبين الذي يتعلمه المرء أولاً من خارج القرآن ثم يقبل على القرآن ليفهمه.
لذلك فعندما أقول بالاكتفاء بالقرآن أعني بذلك الاكتفاء به كنص إلهي مجمع على حجيته بين كافة المسلمين، وتفاعل ما أجمله من أحكام مع كيفية الأداء العملي التي نقلتها هذه المنظومة المعرفية للمسلمين كافة. فالله تعالى لم يبين لنا في كتابه الحكيم مدلولات كلماته، ولم يأت بصورها كي نتعرف عليها، وإنما تعلمنا كل ذلك في طفولتنا، من مصدر معرفي خارج القرآن، بل ومن قبل أن يتعرف الطفل على هذا القرآن نفسه. هذا المصدر هو ما يسمى بـ " منظومة التواصل المعرفي ".
إن هناك قوانين وسننا إلهية ثابتة لفهم كتاب الله وتطبيقاته العملية في أي عصر يحفظها الله تعالى للناس كافة، بعيدا عن دائرة الاختلاف والتأويل المذهبي:
ــ إن الطفل يتعلم معاني الأسماء ممن حوله قبل أن يتعلمها من كتابه المدرسي فالشمس يعرفها من واقع الحياة قبل أن يرى صورتها في الكتاب.
ــ والصلاة يمارسها محاكاة لوالديه قبل أن يرى صور أدائها في الكتاب المدرسي.
ــ الكعبة لن يتخيلها على حقيقتها [مهما وصفت له] إلا إذا شاهد صورتها بنفسه.
ــ وكلمة " نخلة " التي وردت في القرآن، وتعني هذه النخلة المعروفة لجميع شعوب العالم قبل نزول القرآن.
ــ وكلمة " نادي " في قوله تعالى في سورة العنكبوت [29]: " وتأتون في ناديكم المنكر " وهو مكان تجمع الناس [ النادي ] المعروف قبل نزول القرآن وإلى يومنا هذا.
ــ ولقد بين الله تعالى في سورة العنكبوت [38] أن مساكن عاد وثمود كانت معروفة عند العرب، ويتداول أخبارها وأحوالها بينهم " وقد تبين لكم من مساكنهم " ويمرون عليها في أسفارهم إلى اليمن وإلى الشام.
ــ ولم يبين الله كيفية أداء أفعال معينة كالقيام والركوع والسجود في الصلاة، فإذا نظرنا إلى كلمة " الصلاة " في اللسان العربي وجدناها تعني الدعاء، كما تعني الهيئة المعروفة للمسلمين. فإذا أخبر الله تعالى في أول سورة البقرة أن من صفات المتقين أنهم " يقيمون الصلاة " فكيف عرفنا أن إقامة الصلاة هنا تعني إقامة الهيئة المعروفة لنا اليوم في مواقيتها المحددة وبعدد ركعاتها، وليس إقامة الدعاء كقوله تعالى " أقيموا الشهادة " و " أقيموا الدين " و" أقيموا وجوهكم ".
ومن أي المصادر عرفنا أن الركوع في هذه الهيئة مرة واحدة، والسجود مرتان؟
ــ أما الذين يستنبطون عدد ركعات الصلاة من آية صلاة الخوف [ النساء 101ـ103 ] فقد جانبهم الصواب تماما، لماذا؟
إن الله تعالى يقول في الآية [102 من سورة النساء]: " فإذا سجدوا " وهذه الجملة لا يفهم منها على الإطلاق أن صلاتهم كانت ركعة واحدة، فقد يكون معناه السجود الأخير كناية عن انتهاء الصلاة، ذلك لأن سياق الآية لم يأت أصلا لبيان عدد ركعات الصلاة وإنما جاء لبيان كيفية أداء صلاة الخوف ومكان المصلين من الطائفة التي ستقوم بحراستهم. هذا إن كان السجود عندهم يعني الركعة الكاملة. ثم إن قول الله تعالى: " ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك " يبين أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان من مجموعة الحراسة الأولى [ فلتقم طائفة منهم معك: أي تقوم بالحراسة ] وأنه سيصلي مع الطائفة التي كانت معه في هذه الحراسة بعد انتهاء الأولى من الصلاة. ثم هل يعقل أن يفوض الله تعالى المسلمين في استنباط أصول الدين وذلك بفك شفرات الآيات أو تأويلها لخدمة توجهاتهم واجتهاداتهم المذهبية؟!
ــ وإذا نظرنا إلى قول الله تعالى في سورة الجمعة: " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة " فمن أي المصادر عرفنا أن ميقات هذه الصلاة هو ميقات صلاة الظهر؟ خاصة أن الله تعالى يقول " من يوم الجمعة ".
ــ كذلك كيفية الذبح [ هذا الوجه الواحد من وجوه إزهاق الحياة والمعروف لجميع شعوب العالم ]، وكيف عرفنا أن هذا الذبح يختلف عن وجوه " القتل " الأخرى.
ــ كذلك إتيان النساء، مع أنه سبحانه قال في سورة البقرة [222]: " فأتوهن من حيث أمركم الله " فإذا بحثنا في القرآن كله لن نجد بياناً لهذه الكيفية التي أمرنا الله تعالى بها، لأنها من الأفعال التي يعلمها الإنسان بفطرته، أو يتعلمها من بيئته عبر هذه المنظومة المعرفية.
ــ كذلك لم يأت القرآن ببيان أسماء الشهور العربية [انظر التوبة/36] باستثناء " شهر رمضان " والذي في ذكره دليل على صحة ما نقلته لنا هذه المنظومة المعرفية من أسماء باقي الشهور، تماما كما ذكر الله تعالى أسماء بعض الصلوات كصلاة الفجر والعشاء [ النور 58 ] والتي في ذكرها بيان لصحة أسماء الصلوات الخمس التي حملتها لنا هذه المنظومة المعرفية.
ــ وكذلك عندما قال الله في سياق الحديث عن مناسك الحج: " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " [البقرة/199] لم يبين لنا كيفية هذه الإفاضة التي أفاضها الناس، وإنما بينتها هذه المنظومة المعرفية الأممية الخاصة بالأمة الإسلامية، المتواصلة الحلقات وليس بالتواتر العملي المذهبي.
ــ وإذا قال الله في سورة الشرح " ألم ... " وقال في سورة البقرة " الم ... " فكيف عرفنا أن الأولى تقرأ " ألم " والثانية تقرأ " ألف لام ميم "؟ أيضاً عرفنا هذا عبر هذه المنظومة المعرفية.
ــ ولقد تعلم الإنسان كيفية دفن الموتى من غراب بالتقليد والمحاكاة وليس بالتعلم من كتاب [ المائدة 31 ]. لقد جعل الله الغراب سببا في تعلم الإنسان الأول كيف يدفن أخاه، ثم تعلمت الأجيال ذلك عبر هذه المنظومة المعرفية. لقد علم الله تعالى الإنسان الأول كيف يدفن أخاه بأن يواري جسده في باطن الأرض، ثم توارثت الأجيال هذه الكيفية عبر هذه المنظومة المعرفية دون حاجة إلى تشريع إلهي جديد. وتأتي آليات عمل القلب لتضبط هذه الكيفية بما يحقق المصلحة المنشودة، فلا يوضع جسد الميت مثلاً بطريقة يسهل على الحيوانات المفترسة الوصول إليه.
ــ وعندما نقرأ قول الله تعالى في سورة طه:
قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ [87] فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ [88] أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً [89]
فهل يمكن فهم معنى قول الله تعالى:" حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ " وقوله تعالى: " فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ " بالاعتماد فقط على هذا السياق القرآني، أو على أي سياق آخر من آيات الذكر الحكيم، دون الاستعانة بمصدر معرفي خارج النص القرآني؟
ــ كذلك فإن الله يلهم البشر [ بصرف النظر عن عقائدهم ] كيفية الصناعات والزراعات والاكتشافات العلمية وغيرها، ويتطور هذا التراكم المعرفي عبر هذه المنظومة بما يحفظ مهمة استخلافهم في الأرض على خير وجه.
والأمثلة على ذلك كثيرة جدا، بل أقول أنها بعدد كلمات القرآن نفسه.
لقد بدأت كلامي بهذا التقسيم لأفرق بين ما هو واجب الاتباع عقلاً [ وهو الذي يشكل منظومة معرفية عالمية أو أممية ] وشرعاً [ بوجود نص إلهي يأمر بذلك ] وبين ما يُباح فعله [ وهو ما تواتر عند فريق ولم يتواتر عند آخر ] والذي لا يجب أن يكون محل خلاف بين أفراد الأمة الإسلامية.
والذي أريد أن ألقي الضوء عليه هو ما نقلته هذه المنظومة من معارف خاصة بميراث الأمة الإسلامية والفصل بين ما يشكل منه إجماعاً محكماً لا يشذ عنه أفراد هذه الأمة، وبين ما يشكل تواتراً يختلف حوله أفراد الأمة باختلاف مذاهبهم.
وبما أن الإنسان يولد ويرث مذهب آبائه قهراً عن غير إرادة منه، إذن فمن بدَهيات المنطق السليم أن يعيد كل مسلم [ بل كل إنسان عاقل رشيد ] قراءة الموروث الديني الذي وجد عليه آباءه عبر هذه المنظومة المعرفية.
ولكن هذه الخطوة تحتاج من المسلمين الجادين الباحثين عن الحق إلى بذل الجهد، فالقضية قضية دين إلهي سيُسأل عنه المرء يوم القيامة.
إنها قضية اتباع لا يشفع فيها الإيمان الوراثي ولا تقليد الآباء بغير علم.
هذه المقدمة هامة جدا في معرفة كيف نقيم الصلاة كما يريدها الله عز وجل وليس كما تريدها الفرق الإسلامية كل حسب موروثة الديني
والى باقي المقالة في المرة القادمة إن شاء الله