المرأة .. هذه الإنسانة التي جعلها كل من هب ودب قضيته ! حتى وإن أساؤا إليها ولم يحسنوا .. فأثاروا حولها الشبهات دون شبهات!! .. ونادو بتحريرها من قيود الإسلام التي كبلها بها .. زعموا ... باطلاً وزوراً.
قالوا إن الإسلام لم ينصفها .. واضطهدها وانتقصها حقوقها .. وتشعبت بهم الطرق ... طرق الضلالة .. فذهبوا في كل واد وناد يدعون لتحريرها !! .. تحريرها مماذا ؟! .. مما يصون كرامتها، ويحفظ عزتها، ويدعون الحرص على إعطائها كافة حقوقها ومساواتها بالرجل في كل شيء !! .. فهل حقاً ما ذهبوا إليه ؟! .. لندع التاريخ بحقائقه يرد على شبهاتهم وإفتراءاتهم .. ولننظر ماذا قدم الإسلام للمرأة .. وماذا قدم غيره من المناهج المختلفة والشرائع المتباينة .. وبمقارنةٍ سريعةٍ .. بين حالة المرأة في الشرائع المختلفة، وحالتها في شريعة الإسلام الغراء .. يمكن أن تتضح الصورة وتظهر الحقائق ..
فعند اليونان .. ماذا كانت؟ .. في أول عهدها كانت محتقرة مهينة حتى جعلوها رجساً من عمل الشيطان .. كانت كسقط المتاع تباع وتشترى في الأسواق ! .. محرومة من حق الميراث والتملك ولا أهلية لها .. يقول فيلسوفهم سقراط: " إن وجود المرأة هو أكبر منشأ ومصدر للأزمة والانهيار في العالم .. إن المرأة تشبة شجرة مسمومة، حيث يكون ظاهرها جميلاً ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت حالاً "! ..
ثم في أوج حضارتهم تبدلت المرأة، واختلطت بالرجال، وشاعت الفاحشة .. حتى أصبح الزنا علناً .. واتخذوا التماثيل العارية باسم الأدب والفن! .. وعُدَّ من الحرية أن تكون المرأة عاهراً لها عشاق!! .. وأفرغوا على الفاحشة ألوان القداسة بإدخالها المعابد!! .. فماذا كان المصير؟ سقطت اليونان، وانهارت حضارتها، وزالت .. { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ }[هود:102].
أما عند الرومان .. فلم تكن بأحسن حالاً منها عند اليونان .. إذ كان الشعار عندهم فيما يتعلق بالمرأة " إن قيدها لا ينزع، ونَيْرَها لا يخلع " .. وكان الأب غير ملزم بضم أبنائه إليه .. وله أن يضم لأسرته من الأجانب عنها ما شاء .. ويخرج منها من أبنائه ـ عن طريق البيع ـ ما شاء!. وكانت سلطة رب الأسرة على أبنائه وبناته وزوجته وزوجات أبنائه تشمل البيع والنفى والتعذيب وربما القتل أحياناً ! .. حتى جاء قانون "جوستيان عام 565م" فجعل سلطة الأب تأديبية فقط ..
وليس للمراة عند الرومان أية حقوق أهلية أو مالية بل لم يكن لها التصرف في مالها الخاص .. فهو يخضع لأبيها ثم للوصي الشرعي عليها من بعده .. فهى في حالة رق مدى حياتها .. تنتقل من رق أبيها إلى رق زوجها ..
وعندهم في قوانين الألواح الاثنى عشر أن فقدان الأهلية هي السن والحالة العقلية والجنس ـ أى الأنوثة ـ ولذا كانوا يفرضون الحجر عليها لأنوثتها !!!
هذا في حين أننا نجد المرأة عند الصينيين القدماء مشبهة بالمياه المؤلمة تغسل السعادة والمال وكان للصيني الحق في بيع زوجته أو دفنها حية، وإذا مات تورث لأهله!.
بينما نجدها في قانون حمورابي في عداد الماشية المملوكة .. فمن قتل بنتاً لرجل أعطاه ابنته ليقتلها أو يتملكها.
أما عند اليهود ففي شريعة مانو أن المرأة لا تعرف السلوك السوى ولا الشرف ولا الفضيلة وإنما تحب الشهوات الدنسة والزينة والتمرد والغضب، لذا لم يكن لها الحق في الاستقلال عن أبيها أو زوجها أو ولدها، وهي قاصرة طيلة حياتها، بل لم يكن لها حق الحياة بعد وفاة زوجها فهي تحرق معه حية على موقد واحد يوم وفاته وإلا .. عادت لاتعامل كإنسانة .. فقد كانوا ينظرون إلى المرأة التي لا زوج لها على أنها منبوذة ومدنسة لكل شيء تمسه .. والمنبوذ عندهم في رتبة الحيوان ! ..
وفي شرائع الهندوس يقولون: ليس الصبر المقدر والريح والموت والجحيم والسم والأفاعى والنار أسوأ من المرأة .. فيا عجباً .. كيف جعلوا المرأة بلية فوق كل بلية .. !
وفي شريعة الفرس أبيح الزواج من المحارم كالأمهات والأخوات والعمات والخالات .. إلى آخره .. وكانت تحت سلطة الرجل المطلقة .. يحق له أن يحكم عليها بالموت .. أو ينعم عليها بالحياة!! .. وكانت تُنْفى أيام الحيض إلى مكان بعيد، لا يجوز لأحد مخالطتها! ..
ثم نادى " مزدك " فيهم باقتسام الأموال والنساء والمتعة، فشاعت الفوضى وعم الدمار .. وأصبح الرجل يدخل على نساء غيره .. حتى صار لا يَعْرفُ الرجل منهم ولده .. ولا المولود يعرف أباه فماذا عنها ؟ .. انهارت وسقطت { فَهَلْ تَرَى لهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ } [الحاقة ـ آية :8]
وعند اليهود كانت تعتبرها بعض الطوائف في مرتبة الخادم .. ! وكان لأبيها الحق في بيعها قاصرة، وهي لا ترث إذا كان لأبيها بنون ..
واليهود يعتبرون المرأة لعنة لأنها أغوت آدم .. جاء في التوراة (المحرفة): " المرأة أمرّ من الموت ".
وعندما يصيبها الحيض لا يجالسونها ولا يؤاكلونها، بل يعتبرونها نجسة، وكل ما تلمسه من طعام أو إنسان أو حيوان نجساً .. فبعضهم يطردها خارج البيت حتى تطهر .. وبعضهم ينصب لها خيمة يجعلها فيها ويضع أمامها خبزاً وماءً .. !!
فتأمل مدى القسوة التي كانت تعامل بها في أيام تكون فيها مضطربة النفس .. ومحتاجة إلى شيء من العطف والرفق ..
وفي النصرانية هال رجال المسيحية الأوائل ما رأوا في المجتمع الروماني من انتشار الفواحش وما آل إليه حالهم من انحلال أخلاقي شنيع، فاعتبروا المرأة باباً للشيطان، وأنها مسئولة عن هذا كله لاختلاطها بالرجال في فوضي شديدة .. فقرروا أن الزواج دنس يجب الابتعاد عنه .. وأن العلاقة بالمرأة رجس في ذاتها .. !
قال أحد قديسيهم ويسمى ترتوليان: " إنها مدخل الشيطان إلى النفس، ناقضة لنواميس الله .. مشوهة للرجل " .. !
وقال آخر ويُسمى سوستام: " إنها شر لابد منه، وآفة مرغوب فيها، وخطر على الأسرة والبيت، ومحبوبة فتاكة، ومصيبة مطلية مموهة ".
وكان من المضحكات المبكيات أن يجتمع مجمع " ماكون " ليبحث فيما إذا كانت المرأة مجرد جسم لا روح فيه أم لها روح ؟!!
ثم انتهوا إلى أنها خلو من الروح الناجية " أى من عذاب القبر " .. عدا مريم أم المسيح عليهما السلام ..
ثم عقد الفرنسيون عام 586 للميلاد مؤتمر للبحث: هل تعد المرأة إنساناً أم غير إنسان ؟! .. وأخيراً قرروا أنها إنسان خُلق لخدمة الرجل فحسب !
ثم أصدر البرلمان الإنجليزى في عصر هنري الثامن قراراً يحظر على المرأة أن تقرأ " العهد الجديد " لأنها تعتبر نجسة .. !!
وفي سنة 1500 للميلاد شُكل مجلس إجتماعي في بريطانيا خصيصاً لتعذيب النساء .. وكان ضمن مواده .. تعذيبهن وهن أحياء بالنار !!.. وذلك في القرن الخامس عشر!
ومن الظريف أ ن القانون الإنجليزي عام 1805 للميلاد وكان يبيح للرجل أن يبيع زوجته بستة بنسات ـ يعنى نصف شلن ـ فما أرخص المرأة عندهم ! ..
أما القانون الفرنسي الذي وُضِع عقب الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثاني عشر والتي أعلنت تحرير الإنسان من العبودية والمهانة، فقد نص على أن المرأة ليست أهلاً للتعاقد ! .. كما نص على أن القاصرين الذين يحجر عليهم هم: الصبى المجنون والمرأة .. واستمر الحال كذلك حتى عام 1938 حتى عُدل ! ..
وإذا نظرنا إلى حالة المرأة عند العرب قبل الإسلام فسنراها مهضومة في كثير من حقوقها ، ليس لها حق الإِرث .. فقد كانوا يقولون: " لا يرثنا إلا من يحمل السيف ويحمى البيضة " .. ولم يكن لها على زوجها أى حق ، وليس للطلاق عدد معين .. ولا لتعدد الزوجات عدد محدود ..
وإن مات الرجل عن زوجته وله أولاد من غيرها .. كان الولد الأكبر أحق بزوجة أبيه " نكاح المقت " ويعتبرها إرثاً كبقية أموال أبيه، إن شاء ألقى عليها ثوباً؛ إظهاراً لرغبته في زواجها .. أو يتركها لأهلها، أو يحبسها حتى تفتدى نفسها، أو تموت فيذهب بمالها ..
أما بعض القبائل فكانت تتشاءم من ولادة الأنثى فتئذها؛ إما خشية العار أو خشية الفقر .. وكانت هذه العادة منتشرة في "بعض" القبائل فقط ، منها ربيعة وكِندة وتميم وطييء .. ومنهم من دفن في الجاهلية إحدى عشرة بنتاً موؤودة ! ..
وكان عندهم أنواع من الزواج بغيضة فاسدة .. أبطلها الإسلام جميعاً ما عدا الزواج الراقي التي كانت تُعرف به قريش من خطبة ومهر وعقد فقد أقره الإسلام مع إبطال بعض العادات الظالمة للنساء فيه من استبداد في تزويجهن كرهاً أو عضلهن أو أكل مهورهن ..
وما كانت المرأة العربية تفتخر بشيء قبل الإسلام على أخواتها في العالم كله سوى حماية الرجل لها، والدفاع عن شرفها، والثأر لامتهان كرامتها .. وهذا لم يكن عند كل العرب ؛ وإنما كان من بعض القبائل دون غيرها.
أما المرأة في الإسلام .. فما أجلَّ الإسلام .. وما أجلَّ شريعته وأحكامه .. فلم يعتبرها جرثومة خبيثة كما اعتبرها الآخرون ـ ولكنه قرر أنها بين يدى الإسلام قسيمة الرجل ..
وبداية .. قرر أنها والرجل في الإنسانية والكرامة والأهلية سواءّ بسواء .. قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ }[النساء:1] .. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[إنما النساء شقائق الرجال] رواه أحمد و الترمذي وأبو داود عن عائشة.
وقد وردت آيات كثيرة تساوى الرجال بالنساء في الإنسانية .. كما وردت الآيات تساويهن بالرجال في الإيمان .. والجزاء والمثوبة، قال تعالى: { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ }[آل عمران:195] .. { وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا }[التوبة:72].
ثم إن الإسلام كرمها وليدةً .. وصبية ً .. وأختاً .. وزوجاً .. وأمّاً. والأحاديث الصحيحة في هذا كثيرة .. ولو ذهبنا نعدد الآيات والآحاديث التي جاءت توصي بالمرأة خيراً منذ ولادتها حتى مماتها .. ومن ترغيب الأب في رحمتها وحسن رعايتها وتأديبها ابنة .. وحفاظا على كرامتها وصونها أختا ًوحسن عشرتها والإحسان إليها زوجة .. والشفقة بها والحنو عليها والتلطف والتأدب معها أمّاً .. لفاض الكلام واتسع .. ولكن حسبنا التنويه بالحقائق والثوابت ..
فمن السنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمل أمامة ابنةَ ابنته زينب وهو يصلى .. والصلاة من أجلّ العبادات .. ومن وصاياه صلى الله عليه وسلم: [ استوصوا بالنساء خيراً ] (متفق عليه)، وعن عائشة رضى الله عنها قالت: [ ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادماً قط ولا امرأة ] (رواه مسلم) .. فأين هذا من إهانتها وتعذيبها وضربها في الشرائع السابقة التي أوردتها ..
ثم إن الإسلام جعل لها الحق في الميراث .. خلافاً للشرائع الأخرى، وجعل لها الأهلية الكاملة في التعامل والبيع والشراء والتصرف في أموالها، ولها حق التملك ولم يحجر عليها كما في الشرائع الأخرى ..
ثم جعل كرامتها مثل كرامة الرجل سواءً بسواء .. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة لأم هانيء بنت أبي طالب ـ وقد أجارت رجلين من أحمائها قد استوجبا القتل ـ [ قد أجرنا من أجرت يا أم هانيء، وأمّنّا من أمّنت ](رواه البخارى بنحوه).
أما مراعاته لمشاعرها ونفسيتها ففي هذا يفيض الكلام فانظر كيف كان يعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحائض .. فعن عائشة رضي الله عنها قالت:[ كنت أشرب من الإناء وأنا حائض ثم أناوله للنبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ ](رواه مسلم).
وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم [ كان يتكيء في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن ](متفق عليه) .. وهذا خلافا لمن يعدونها نجسة .. ويطردونها من البيت إن حاضت .. فتأمل .. حتى في آخر خطبة خطبها النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أوصى بالنساء خيراً .. وكان آخر ما وصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث كلمات، ظل يتكلم بهن حتى تلجلج لسانه صلى الله عليه وسلم جعل يقول: [ الصلاة الصلاة .. وما ملكت أيمانكم، لاتكلفوهم مالا يطيقون .. الله الله في النساء فإنهن عوان في أيديكم ](رواه النسائي وابن ماجه).
فهل هناك مقارنة بين ما أكرمها به الإسلام وبين ما كانت عليه من امتهانٍ وضعة ؟