الشيخ المـدير العام
عدد الرسائل : 695 العمر : 59 الموقع : htttp://elsayed.3rab.pro العمل/الترفيه : محاسب تاريخ التسجيل : 26/06/2008
| موضوع: ابراهيم الخليل عليه السلام من القران منقول الثلاثاء 17 أغسطس 2010 - 0:24 | |
| ا[size=18][b ] السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المقدمة :
الحمد لله وحده لا شريك له حمدا تتم به الصالحات وتنمو البركات , وأشهد أن لا إله إلا الله إله البريات وخالق الأرض والسماوات , وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله بعثه الله رحمة مهداه , قال تعالى :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[ الأنبياء : 107].
وبعد : فإن الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام ركن من أركان الإيمان , قال تعالى : ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ... ﴾[ البقرة : 285] , وذلك لأنه لا يمكن للعبد أن يؤمن بالله , ويوقن بأنه الواحد الأحد , المتفرد بالخلق والتدبير فيخضع العبد ويستسلم لأوامره ونواهيه إلا من خلال الرسل , قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾[ النساء : 170]. لأنهم هم وحدهم المختارون من قبل الله سبحانه لتبليغ رسالاته , قال تعالى : ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾[ الحج : 75], فمن جهتهم وبواسطتهم نهتدي بهدى الله – عبادة وسلوكا وعلما وبصيرة – فلا سبيل للنجاة في الدنيا والآخرة ولا سعادة في الدارين إلا بتصديق ما جاءوا به من عند الله رب العالمين , لهذا وجب الإيمان بهم وإتباعهم , قال تعالى : ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ .. ﴾[ آل عمران : 31], لأن من اختاره الله من بين سائر البشر وأيده بالمعجزات وأنزل عليه الوحي ليكون نبيا ومبلغا عن رب العالمين ليس كمن عاش يتخبط في ظلمات الجهل والحيرة والشك , لأن صانع الصنعة هو أعلم بها وبدقائقها , وهو الذي يرجع إليه , ويسأل حول كل جزئية من جزئياتها ؛ فإذا رأيت أحدا عدل عنه وراح يسأل آخر عنها عجبت منه كل العجب وقلت في لسان حالك إن لم يكن في لسان مقالك : ما بال هذا السائل ترك العليم بصنعته الخبير بها المكون لها ومبدعها وراح يسأل من لا علم له بها ؟, بل إن أحسن الأحوال أن يكون هذا المسئول قد تعلم من ذلك الصانع بعضا من صنعته , فلم لا يرجع السائل إلى الأصل الذي بيده مقاليد صنعته ويختصر على نفسه الجهد والوقت ويخرج من الحيرة والشك إلى اليقين المحض والعلم الكامل والدقة الفائقة .
فهذا مثال من عدل عن هدى الله , العليم بخلقه الخبير بأحوالهم وحاجاتهم , واعتمد على عقله وهواه أو اعتمد على من هو دون الله من خلقه , ولهذا فقد مقت الله I هذا الصنف من العباد وسماهم مشركين لأنهم نازعوا الله الخالق في ملكه وعلمه وقدرته , وأوعدهم بأشد العقوبة يوم القيامة , قال تعالى : ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[ الشورى : 21].
ثم بين الله سبحانه لعباده طريق الحق وسبيل النجاة ومنهج العقلاء بأبسط عبارة وأوجزها فقال تعالى : ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[ القصص : 50 ]. خطاب للرسول يثبّته به ويخبره أن من حاد عن أمر الله ومراده ولم يستجب للرسول المصطفى المختار من قبل الله فهو في ضلال مبين وهو من الظالمين , فلا ظلم أشد من الشرك بالله تعالى , ففي الآية : ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾[ لقمان : 13], فهو إما جاهل يحتاج إلى تذكير وإما مكابر يستحق عذاب السعير .
وكما أنه يجب الإيمان بالنبي أو الرسول الذي أرسله الله إلى أمة من الأمم أو طائفة بعينها , فإنه كذلك يجب الإيمان بجميع الرسل والأنبياء لأنهم كلهم يؤدون رسالة واحدة ويخبرون الناس بأنه لا إله إلا الله , قال تعالى : ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول ٍإِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾[ الأنبياء : 25 ]. فامتدح الله سبحانه هذه الطائفة التي تؤمن بالله وبجميع الرسل ولا تفرق بين أحد منهم , فقال تعالى : ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾[ النساء : 152 ]. وبالمقابل سلب الله صفة الإيمان من الذين فرقوا بين الرسل ولم يؤمنوا بهم جميعا ووسمهم بالكفر وأوعدهم بالعذاب , لأن عدم الإيمان ببعض الرسل كفر بجميع الرسل كما سيأتي تقريره في بابه بإذن الله .
قال تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾[ النساء : 150-151].
ولقد عنى القرآن عناية شديدة بأمر الرسل وذكر تفاصيل عنهم وعن دعوتهم وأساليبهم في دفع الباطل ونصر الحق , وصبرهم على أذى أعداء الله , وغير ذلك مما لا غنى لنا عنه , خاصة وهم حلقة الوصل بين العابد والمعبود كما أراد الله ذلك , لأن القارئ أو السامع لحياة أولئك الأنبياء وما مروا به من أحداث جسام , سيستفيد استفادة عظيمة تشكل له المنهج الأمثل , والصراط القويم , الذي لا اعوجاج فيه ولا خلل , للمضي في هذه الحياة على الوجه الذي يرضي الخالق I , قال تعالى : ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾[ الأنعام : 89-90].
ومن حكمة الله سبحانه أن جعل أولئك الأنبياء يتفاضلون فيما بينهم بأن جعل بعضهم أنبياء , وجعل بعضهم رسلا , وجعل بعضهم من أولي العزم ورفع بعضهم درجات , قال تعالى : ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ﴾[ البقرة : 253] , فقد تفاوتت تلك الدرجات تفاوتا كبيرا بين من اصطفاهم الله , فمنهم من كلم الله تكليما كموسىu , ومنهم من اتخذه الله خليلا كإبراهيم u , ومنهم من حاز على جميع تلك المكارم وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
ولقد اخترت في هذا البحث رسولا من رسل الله أمرنا الله بحبه والإيمان به كباقي أنبيائه ورسله , هو إبراهيم u , أبو الأنبياء وإمام الحنفاء أحبه جميع العقلاء بل حتى اليهود والنصارى إدعوا أنه كان على ملتهم وطريقتهم , فتولى الرد عليهم رب العالمين وخالق الناس أجمعين بأحسن رد وأقوى حجة .
أسباب اختيار هذا الموضوع :
بعد هذا التمهيد فإنني سأوجز أسباب اختياري لهذا الموضوع بما يلي :-
1. ما لفت انتباهي من الأوامر الإلهية المتعددة في وجوب إتباع ما كان عليه إبراهيم u , فقد أمر الله نبيه محمدا r أن يتبع إبراهيم u في قوله : ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[ النحل : 123 ]. وأمر سبحانه عباده بإتباعه في قوله : ﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾ [آل عمران : 95]. وفي ثنائه سبحانه على المؤمنين في قوله : ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً﴾ [النساء : 125 ]. هذا ولا يخفى على ذي بصيرة إذا تأمل في هذه الآيات وغيرها ما لهذا النبي الكريم من شأن وما له من الحق , فوجدت أنه من الواجب علي أن أطلع على آيات القرآن التي ذكرته , لعلي أضع بين يدي كل مسلم بحثا موضوعيا يجمع ما تفرق ويحوي ما فقد .
2. إن إبراهيم u أحد الرسل الذين هم من أولي العزم ولعلي أشحذ همتي في دراسة سيرته بشيء من التأمل والتدبر , بالرجوع إلى القرآن والأحاديث التي وضحت تلك الآيات .
3. وبالإطلاع على كثير من كتب التفسير وقصص الأنبياء وغيرها , وجدت أنه من الجدير أن أجمع تلك المعاني والروايات والأقوال وأصيغها بأسلوب يسهل على المطلع متابعة الأحداث , ويختصر الطريق للقارئ .
منهجي في البحث :
كان المنهج الذي سرت عليه في البحث كما يلي :-
1. الرجوع إلى القرآن الكريم لجمع الآيات الكريمة التي تحدثت عن إبراهيم u بصفة خاصة , مستعينا في ذلك بمعاجم القرآن الكريم , ومن ثم تصنيفها وترتيبها حسب عناصر البحث وفقراته .
2. إلتزامي بعزو الآيات الكريمة التي استشهد بها إلى سورها , وبيان أرقامها وضبطها
3. عرض الموضوع عرضا واضحا بأسلوب سهل مع بيان ما لابد من بيانه في تلك الآيات .
4. الرجوع بعد ذلك إلى كتب التفسير وغيرها للإطلاع أولا ونقل النصوص ثانيا والجمع بين أقوال العلماء والمفسرين ثالثا , لإظهار الموضوع المعين بشكل متناسق ومترابط في فقراته .
5. إلتزمت عند استشهادي بالأحاديث والآثار إن وجدت تخريجها من كتب الحديث المشهورة , فإن كان في الصحيحين لم أتجاوزهما إلى غيرهما كما هو منهج المحدثين وكذا إن كان الحديث في صحيح البخاري أو كان في صحيح مسلم .
6. ترجمت للأعلام من صحابة وغيرهم عند ورود ذكرهم أول مرة , ولم أستثن من ذلك أحدا , كما حاولت إيجاز التراجم دون الإخلال بالمطلوب لحصول الفائدة بما ذكرت منها .
وبعد أن أتممت البحث أعددت له فهارس علمية يسهل الرجوع إليها والاستفادة منها وذلك للآيات الكريمة , والأحاديث ,والأعلام , بالإضافة إلى قائمة للمراجع والمصادر وفهرس للموضوعات .
كان هذا هو المنهج الذي اتبعته في أثناء إعداد هذا البحث وجمعه وترتبيه , راجيا المولى سبحانه أن يكون عملي هذا خالصا لوجهه الكريم , ونافعا لي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
ولقد بذلت في هذا البحث جهدي وهو جهد بشري متواضع يعتريه النقص والخلل ولا شك , فالحمد لله على كل حال , غير أني أسأل الله تعالى أن يقيض لي من يقوّم عملي هذا ويرشدني إلى ما فيه الصواب فيؤجر ويشكر , وإني لأدعوا له بظهر الغيب دعوة خير إن شاء الله . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه .
خطة البحث :
وقد اشتملت على مقدمة وأربعة فصول وخاتمة وفهارس .
أما المقدمة فقد بينت فيها ما يلي :
1. تمهيد .
2. أسباب اختيار موضوع البحث .
3. خطة البحث .
4. منهج البحث .
الفصل الأول : ترجمة إبراهيم u وفيه ثلاثة مباحث :-
المبحث الأول : إبراهيم وصفته وفيه مطلبان :-
المطلب الأول : اسمه واسم أبيه وكنيته ووفاته
المطلب الثاني : صفات إبراهيم
المبحث الثاني : إبراهيم أمة وفيه ثلاثة مطالب :-
المطلب الأول : إبراهيم الأسوة الحسنة
المطلب الثاني : إبراهيم خليل الله
الطلب الثالث : ذرية بعضها من بعض
المبحث الثالث : الاصطفاء في الدنيا والصلاح في الآخرة
الفصل الثاني : إبراهيم ودعوته إلى الإيمان بالله وفيه خمسة مباحث :-
المبحث الأول : محاجة الملك لإبراهيم وفيه مطلبان :-
المطلب الأول: المناظرة الكبرى
المطلب الثاني: المجادلة بالتي هي أحسن
المبحث الثاني : العدول عن ملة إبراهيم وفيه مطلبان :-
المطلب الأول: الكواكب والإلوهية
المطلب الثاني: إبراهيم وقومه
المبحث الثالث: إبراهيم وإحياء الموتى وفيه مطلبان :-
المطلب الأول: إحياء الموتى حق
المطلب الثاني: كيفية إحياء الموتى
المبحث الرابع: إبراهيم والأديان المنحرفة وفيه مطلبان :-
المطلب الأول: براءته وذريته من اليهودية والنصرانية
المطلب الثاني: الإيمان بالرسل
المبحث الخامس : موقف إبراهيم من أبيه وفيه مطلبان :-
المطلب الأول : إبراهيم قبل التبين
المطلب الثاني: إبراهيم بعد التبين
الفصل الثالث : ابتلاء وفيه ثلاثة مباحث :-
المبحث الأول: المعجزة وفيه مطلبان :-
المطلب الأول: معنى أ لمعجزة
المطلب الثاني: معجزة إبراهيم
المبحث الثاني : رؤية الأنبياء حق وفيه مطلبان :-
المطلب الأول : ابتلاؤه بذبح ولده إسماعيل
المطلب الثاني : التحقيق فيمن هو الذبيح
المبحث الثالث : صدق إبراهيم وكذباته
الفصل الرابع : رفع إبراهيم وإسماعيل قواعد البيت وفيه ثلاثة مباحث :-
المبحث الأول : إبراهيم والمسجد الحرام وفيه مطلبان :-
المطلب الأول : بناء البيت
المطلب الثاني: تطهير البيت
المبحث الثاني : مناسك الحج وفيه مطلبان :-
المطلب الأول : هاجر والصفا والمروة
المطلب الثاني : إبراهيم والحج
المبحث الثالث : لسان ذكر في الآخرين وفيه مطلبان :-
المطلب الأول : إكرام إبراهيم للضيف
المطلب الثاني : دعاء إبراهيم
الخاتمة :
الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى, وعلى سيدنا محمد النبي المقتفى وآله وصحبه ومن اهتدى.
وبعد : فإنه من الجدير بالذكر أن أنبياء الله ورسله هم خير معين وأفضل مصدر وأصوب مرجع للبشرية جميعا , سواء في تلقي أوامر الشرع منهم أو التأسي بهم في السلوكيات أو غير ذلك مما لا غنى لأحد عنه , لأنهم قد توفرت فيهم قيم ومبادئ لم تتوفر في غيرهم من بني البشر لأسباب عديدة منها :
1. اختيارهم اختيارا ربانيا صادرا من العليم الخبير الذي لا تخفى عليه خافية .
2. العناية الإلهية وبتلك الفئة , فقد اخبر I أنه قد اعتنى بأولئك الأنبياء وكلاءهم بالحفظ والتأييد وذب عنهم السوء , قال تعالى لموسى: ﴿ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾[ طه : 39] وقال:﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾[ طه : 41 ]. وإن حادثة شق صدره r كما في صحيح مسلم(1) لخير دليل على ما تقدم من حفظ الله لأصفيائه من خلقه واهتمامه بهم وتكميلهم لا ليخرجوا من بشريتهم ويكونوا خلقا آخر يختلف عن جنس البشر وإنما ليكونوا قدوة لنا وأسوة حسنة نستمد منهم القيم المثلى والمبادئ الحسنة التي يرضى الله عنها .
3. إمدادهم بالمدد الإلهي الخالص سواء كان ذلك المعجزات المادية المحسوسة أو بالمعجزات المعنوية , ومن ذلك كلامه سبحانه لهم بشكل عام عن طريق ما أوحاه لهم , سواء كان ذلك الوحي أوامر أو نواهي أو عتابا أو وعدا أو وعيدا فلم يتركهم بعد أن اصطفاهم هملا بل استمر المدد الإلهي والتوجيه الرباني لهم طيلة حياتهم .
ولعلي أكتفي بهذه الأسباب الرئيسية التي يتضح من خلالها تميزهم عن غيرهم من بني البشر لأنتقل إلى محور الحديث , فقد كان إبراهيم u أحد أولئك المصطفين الأخيار , وقد حاولت جاهدا أن أتناول سيرته وحياته بشكل متكامل حسبما ورد ذكره في القرآن .
نتائج البحث :
1. دعوته إلى عبادة الله وحده دعوة واضحة , مع ثباته على المبدأ – وهذه هي ميزة الأنبياء – مع أخذه بالعزائم , تمثل ذلك في تكسير آلهتهم المزعومة دون أن تأخذه في الله لومة لائم , وحقيقة فإنه من الأهمية بمكان أن يتصور كل واحد منا تلك الحالة والناس جميعهم يعبدون أصناما لهم ويوقرونها ويعتقدون فيها الضر والنفع ويقربون إليها القرابين , ويدعونها من دون الله , ثم نرى في المقابل رجلا فيه من العزم ورباطة الجأش وهمة النفس , ما يجعله لا يهدأ له بال ولا يستسلم , بل يبقى مشغول الفكرة , مستعينا بالله ومتوكلا عليه في كل حال , مستخدما كل الحجج والبراهين مع النظر والمجادلة لإقناع تلك العقول ولإخضاع تلك الأجساد إلى ترك ما اعتادوا عليه هم وآبائهم وعاشوا عليه دهرا طويلا , لإقناعهم بأن خالق هذا الكون واحد لا إله إلا هو ولا معبود بحق سواه سبحانه .
2. كثرة الآيات التي ذكرت إبراهيم u والتي تربو على أكثر من سبعين آية , ولقد امتازت هذه الآيات بميزات عديدة أذكر منها على وجه الإجمال :-
( أ ) وجود صفات المدح والثناء له في ثنايا تلك الآيات فلا تكاد تجد آية ذكرته إلا وتجد فيها صفة حميدة لإبراهيم u فعلى سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى : ﴿ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾[ البقرة : 135] ، وقوله : ﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً﴾ [النساء : 125 ] ، وقوله : ﴿ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾[ التوبة : 114 ] ، وقوله : ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيْفاً... ﴾[ النحل : 120 ] وقوله : ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا﴾ [ مريم : 41 ].
( ب ) توحيده الخالص لله رب العالمين , فقد نص القرآن في عدة مواضع على براءته من الشرك وأهله وأنه كان حنيفا , كما في قوله : ﴿ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾ [البقرة : 135 ]، وقوله : ﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾ [ آل عمران : 95 ]، وقوله : ﴿ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام : 161 ]، وقوله : ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [ النحل : 120]. نلمس من هذه الآيات مدى توحيده u , ولا يعني هذا أن غيره من الأنبياء كان أقل منه توحيدا حاشا وكلا , ولكن لعل السبب في تكرار تبرئته من الشرك وأهله هو أن الله أراد تاكيد براءته من اليهود والنصارى الذين ادعو أنه على ماتهم وطريقتهم يظهر هذا واضحا جليا في قوله تعالى : ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾ [ آل عمران : 67 ].
( ج ) أمر الله سبحانه نبيه محمد r وأمته بالتأسي به وأتباعه في مواضع عدة , كما في قوله تعالى : ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [ آل عمران : 95]، وقوله : ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل : 123 ]، نلمس في هذه الأوامر الإلهية وتخصيصها بإبراهيمu وتكرارها عظم درجته عند الله على غيره من الرسل , قال تعالى : ﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ﴾[ الأنعام : 83 ].
3. مناقبه u التي خلدها القرآن, والتي صارت أكثرها شعائر لنا نتقرب إلى الله بممارستها وما ذلك إلا تشريفا لإبراهيم u وتعظيم له , فمن تلك الشعائر قوله تعالى: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة : 125 ] , بل إن معظم شعائر الحج ما هي إلا إحياء لذكرى إبراهيم u وآل بيته في الآخرين فالطواف حول الكعبة , والسعي بين الصفا والمروة , والنحر , ورمي الجمرات , والوقوف بمنى وغيرها هي أعمال أول من قام بها إبراهيم u وآل بيته .
ونستنتج من هذا أن الإنسان إذا استسلم لأوامر الله وأطاعه أحبه الله فإذا أحبه رفع مكانته وأعلى شأنه وأعزه ونصره وأيده وهو القاهر فوق عباده وهو العليم الخبير .
4. بروز صفة المناظرة عند إبراهيم u مع قوة حجته , يدلانك على أهمية العلم والرسوخ فيه لدحر الخصم وإحقاق الحق بالدليل والبرهان , مع خفض الجناح واللين له والصبر عليه مما له الأثر الكبير في نهاية المطاف إما لإقناع الخصم وإظهار الحق , وإزالة الشك والريبة عنه .
5. حاجة البشر بصورة عامة إلى ما تطمئن به النفس ويزداد به اليقين وترسخ به قدم الإيمان من الآيات الدالة على قدرة الله I وعظمته , وإن كان الإيمان قد ثبت في القلب ثبوت الجبال لأن النفس البشرية ميّالة إلى مشاهدة ما يصور حقائق الإيمان بصورة مشاهدة بالعين فتطمئن وتهدأ , مثال ذلك طلب إبراهيم u رؤية إحياء الموتى , وهو النبي الرسول الذي وصل بإيمانه إلى أعلى الدرجات , وعلل طلبه ذلك بقوله: ﴿ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾[ البقرة : 260 ] , لذلك أمرنا الله سبحانه بالتدبر والتفكر في آيات الله المشاهدة في الكون , لأننا قد نغفل عن تلك الآيات الواضحات كونها صارت من المألوفات , ولا أدل على ذلك من أنك ترى أكثر الناس ينبهر ويزداد إيمانه إذا رأى آية جديدة كشف عنها العلم الحديث أو ذاعها الإعلام , ولكنهم غافلون عن آيات كثيرة تراها أعينهم كل يوم , كآية الشمس الوهاجة بنورها الساطع وهي تسبح في الكون فلا تسقط ولا تنطفئ منذ ملايين السنين , ومع ذلك فأكثر الناس غافلون عنها وعن أمثالها , ولكنك إذا قلت له : لقد رأيت حجرا كبيرا جدا يطير في الفضاء وله ضوء عظيم فلا يسقط ولا ينتهي نوره , قال لك سبحان الله أين رأيت هذا ومتى وكيف ؟ .
لهذا فقد لفت انتباهنا إبراهيم u إلى هذا الأمر حينما كان يريد إقناع قومه من خلال تدبره في هذا الكون الفسيح , قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ﴾[ الأنعام : 75 ].
هذه بعض النتائج التي استخلصتها من هذا البحث وبها اختم بحثي وأسأله تعالى حسن الختام .
المقترحات :
ولعلي استطيع وضع بعض المقترحات التي أسال الله أن ينفعنا بها جميعا :-
1. دعوة صادقة لمراجعة مناهج التربية والتعليم لإضافة سير الأنبياء قبل سير ألشخصيات وبخاصة أولي العزم من الرسل وصياغتها بأسلوب يناسب أحوال الأمة اليوم , لكي تسهل الاستفادة منها من لدن أبنائنا ومن تكتب له الهداية من غيرنا .
2. دعوة لمن وفقه الله وألهمه القدرة على التأليف , ولأصحاب الأقلام السيالة من الأدباء والمثقفين المسلمين إلى ابراز آثار الأنبياء والمرسلين , لكي يفيق أبناء أمتنا من السعي وراء المشاهير والعظماء من أعداء الله وتقليدهم في كل صغيرة وكبيرة , فنحيي في هذه الأمة القدوة الحقة التي تمثلت في أصفياء الله من خلقه فكانوا النور لأممهم والنجاة لأقوامهم .
3. دعوة لوسائل الإعلام المختلفة لإبراز أمثال هذه الشخصيات العظيمة حتى تكون قدوة لأجيالنا .
ختاما : لا يسعني إلا أن أرفع يديّ إلى خالقهما وأتوجه بقلبي إلى هاديه , واسأله أن يلهمني الصواب والسداد في القول والعمل , وأن يعفو عني ويرحمني وان يحشرني مع سيد الأولين والآخرين ويشفعه فيّ وفي والديّ ومشايخي وأهل بيتي وذريتي وجميع المسلمين آمين , ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾[ الصافات : 180-182 ].
--------------------------------------------------------------------------------
(1) صحيح مسلم , باب الإسراء -1/92 .[/b][/ size] | |
|