السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
أخواتى أخوانى أحبائى فى الله
هل عرفتوا ربكم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
أيها الحبيب:
ماذا تعرف عن ربك الذي تعبده؟
هل تعرفت على ربك بأسمائه وصفاته؟
هل تعرفت على ربوبيته وألوهيته؟
أيها الحبيب:
إن ربك يوصف بأوصاف ينبغي عليك أن تتعرف عليه من خلال هذه الأوصاف، لكي تنظر في حالك؟ وتقول: كيف أعبد ربي بهذه الصفة؟ وما أثر معرفتي بهذه الصفة على عباداتي وسلوكي وتصرفاتي؟ ومما يوصف به الله -تعالى- العلم والقدرة، وأن ربك واسع عليم، يعلم سرك وعلانيتك.
يقول الله تعالى-: (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَال سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) (الرعد:8-11)
أتدري أيها الحبيب: ما هو مدلول هذه الآية ومفهومها؟
إن الآية لتتكلم عن عموم علم الله، وسعة علمه واطلاعه، وإحاطته بكل شيء. فربك يعلم ما تحمل كل أنثى سواء من بني آدم أو من غيرهم، وما يغيض هذا الرحم، أي ينقص مما فيها، إما أن يهلك الحمل، أو يتضاءل أو يضمحل، وما تزداد به الأرحام، وتكبر الأجنة التي فيها، وكل هذه الأمور عند ربك بمقدار لا يتقدم عليه و ولا يتأخر، ولا يزيد ولا ينقص إلا بما تقتضيه حكمته وعلمه، فهو -سبحانه- يعلم الغيب ويعلم الشهادة، وهو الكبير في ذاته، وفي أسمائه وصفاته، متعال على جميع خلقه بذاته وقدرته وقهره، وهو يعلم ما أنتم عليه سواء جهر الإنسان بالكلام، أو استسر بالكلام في نفسه وسواء كان مستخفياً في ظلمة الليل، أو قابعاً داخل سربه في النهار. فربك عليم بعلم، وإن علمه محيط بجميع الأشياء من الكليات والجزئيات.
فربك يعلم جميع أحوال خلقه، وأرزاقهم وآجالهم، وأعمالهم وشقاوتهم وسعادتهم، ومن منا من أهل الجنة، ومن منا من أهل النار.
بل يعلم عدد أنفاسك ولحظاتك، وجميع حركاتك وسكتاتك، بل يعلم أين تقع، ومتى تقع، وكيف تقع، كل ذلك بعلمه -سبحانه- فإنك لا تخفى على ربك، ولا يخفى عليه من حالك خافية.
أيها الحبيب:
ينبغي في أن يكون مستقراً في داخلك، وأقر قلبك أن ربك الذي تعبده لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، ولا في الدنيا، ولا في الآخرة.
بل احذر، فربك يعلم خواطر وواردات قلبك (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)(البقرة: من الآية235)
فربك كما قال: (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) (آل عمران:5)
فما لك إلا أن تقول -سبحانه-وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً)(لأعراف: من الآية89)
ولم لا وهو القائل: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (الأنعام:59)
فلنقل عند ذلك معترفين: (رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) (إبراهيم:38) أيها الحبيب:
لقد استأثر ربك بعلم أمور لم يطلع عليها نبي مرسل ولا ملك مقرب. (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (لقمان:34)
أيها الحبيب:
انظر إلى سعة علمه -سبحانه- كما ذكر ذلك الخضر -عليه السلام- لموسى -عليه السلام-: قال يا موسى إنك علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه....إلى أن قال: فركبا في السفينة، قال: ووقع عصفور على حرف السفينة، فغمس منقاره في البحر. فقال الخضر لموسى -عليه السلام-: ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره.
فربك علم ما كان، وما سيكون، بل وعلم ما لم يكن من الممكنات والمستحيلات، لو كان كيف يكون، فقال -سبحانه- عن حال الفجار والكفار عند المعاينة عندما يقولون: (
وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (الأنعام:27-28)
أيها الحبيب:
هل سعيت لتُرِي قلبك مشهد علم ربك المحيط، ثم تتعبد بمقتضى هذا الشهود من حراسة خواطرك وإراداتك، وجميع أحوالك وأقوالك وأفعالك، وأنت موقن من أن جميع أحوالك مكشوفة لدى ربك الذي تعبده، فكنت مراقباً لأقوالك: هذه كلمة أتكلم بها وهذه لا أتكلم بها.
وكنت مراقباً لحركاتك وسكناتك: هنا أتحرك وهنا أسكن.
وكنت مراقباً لأفعالك: هذا أفعله وهذا لا أفعله.
لأنك تتعامل مع رب قد أحاط بكل شيء علماً، يعلم ما يلج في الأرض، وما يخرج منها، وما ينزل من السماء، وما يعرج فيها، وهو معنا أينما كنا فإنه -سبحانه- لا تخفى عليه خافية، بل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.